مشكلة خوف الرزق خاصة بمن ؟
هـَمٌّ
يعيشه الكثير من الناس لا أقول فقراء الناس فحسب هـَمٌّ يشترك فيه الفقير
والمتوسط والغني والقاسم المشترك الذي يمكن أن نصنف به أصحاب هذا الهَم لا
يتعلق بوجود المال من عدمه، لا يتعلق بوجود الوظيفة من عدمها،
لا يتعلق باستقرار البلد واقتصاد من عدمه، هو أمر يتعلق بنفس الإنسان بداخل الإنسان، فن...جد في كبار الأغنياء من يعيش وفقره بين عينيه لا يستطيع أن ينام الليل في بعض الأحيان يفكر، احتمال الصفقة تخسر.. كيف أعمل لمستقبلي؟
أخاف أن ينزل مستواي؟
أخاف أن أكون من الفقراء،
وإذا نظرت إلى رصيده في تلك الليلة من المال المسيل الخالص تجد ما يزيد عن
المائة المليون ومع ذلك يبيت وهو قلقان على مستقبله المالي،
يخاف
أن يكون من الفقراء،. يمكن أن تجد الموظف الذي يأخذ من المال ما يفيض في
نهاية كل شهر منه فائض يدخره في المصرف ومع ذلك تجد منهم من يبيت قلقاً
على مستقبله من جهة المال،
تجد الفقير من باب أولى تجده يبيت وهو يفكر عندي أولاد أو أريد أن أتزوج أو أي سبب من الأسباب محتاج إلى المال،
إذاً المسألة لا تتعلق بوجود المال من عدمه، هل المسألة متعلقة بالسن؟
هل مثلاً كبار السن يخافون أو لا يخافون وصغار السن يخافون أو لا يخافون، تجد الشاب الصغير عنده القلق.. مستقبلي!!
تجد
هناك من يبكي ليلة ظهور النتائج في الثانوية العامة، تجد من تأتيه حالة
هستيرية أو يحتاج إلى حقنة تخفف من التوتر العصبي أو حتى الانهيار العصبي
على نتيجة الثانوية العامة، لماذا؟
يقول مستقبلي مرهون بهذه، جزع على مسألة المستقبل في الرزق،
تجد الجامعي تجد الخريج تجد الذي قد وجد المال الذي أوصله للزواج تزوج
وعنده مرتب وظيفة وخائف من مستقبله، تجد الذي بلغ الأربعين وعنده الأولاد
تجد من هذا السن من يخاف على مستقبله المالي على الرزق،
تجد
الشائب الذي ابيضت لحيته وقد ستره الله سائرعمره ولم يحوجه إلى أحد من
الخلق ومع ذلك يشك في وعد الله لا يزال خائفاً على مستقبله في مسألة
المال..
تجد هذه المشكلة عند العرب والعجم..
مختلف البلدان، إذاً لا السن..
لا المستوى المالي..
يميز أصحاب هذه المشكلة،
نقول أصحاب المستوى المالي المعين عندهم هذه المشكلة أصحاب الفئة العمرية،
لا، تجدها في مختلف الأعمار، البلدان نقول البلدان الغنية هل يوجد فيها
هذا أو البلدان الفقيرة، تجدها عند جميع البلدان من يوجد على هذا الحال،
إذاً لا تصنف في البلدان بـِمَ نصنفها؟ بـِمَ نـُصنف الفئة التي تصبح
وتمسي وهي قلقة على شأن الرزق؟ كيف نصنفها ونميزها عن بقية الفئات؟ هذا
سؤال.. تجد على مستوى المجتمعات تجد المجتمع الخائف على المستوى المالي،
تجد من الدول التي تخاف على المستقبل المالي، اسمعوا نجد العالم يخاف على
مستقبل مشكلة المياه والغذاء، ما الذعر الموجود في الأنفس البشرية اليوم؟
ما القصة؟ لماذا هذا القلق كله؟ تجد هذا عند المسلم وتجده عند الكافر،
تجده عند أصناف البشر،
عند التأمل والنظر ستكتشف أن هذه المشكلة
تتعلق بالنفس الإنسانية، تتعلق بمفهوم الطمأنينة واليقين فكلما قوي اليقين
في القلب وقويت الثقة بالله عز وجل وقوي تصديق وعد الله في القلب كلما
اطمأن الإنسان على مستقبل رزقه، وكلما ضعف هذا الأمر ضعف اليقين بالله عز
وجل وكلما قوي الاعتماد على الأسباب في النفوس كلما عـَظم في هذه النفوس
الشك والخوف من الفقر.
ماهو الفقر ؟
عندما تقرأ في الأذكار
النبوية من عمل منكم في المواظبة كما ذكرنا في مجالس مضت على أذكار الصباح
والمساء سيجد أن من أذكاره صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ من الفقر
“وأعوذُ بكَ منَ الفقر” ما الفقر الذي استعاذ منه رسول الله؟ أهو قلة
المال كما يعرف الناس الفقر؟ العِوز؟ نحن نعلم أن الحبيب صلى الله عليه
وسلم لقي الله وهو لم يشبع من خبز الشعير يومين متتاليين نحن نعلم أن
السيدة عائشة رضي الله عنها والسيدة أم سلمة رضي الله عنها قد ذكرتا (أن
الهلال يُرى والهلال الثاني والثالث يعني شهرين، شهران يمران على رسول
الله ولا يوقد في حجرات رسول الله نار، يعني لا يوجد طبيخ فماذا كنتم
تأكلون؟ قالت نعيش على الأسودين التمر والماء)، نحن نعلم أن الحبيب صلى
الله عليه وآله وصحبه وسلم ما جمع بين إدامين في حياته، نحن نعلم أن
الحبيب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم جاء إليه أصحابه وقد شكوا إليه شدة
الجوع حتى كشفوا عن بطونهم فإذا على بطن كل واحد منهم حجر قد رُبـِط ليضغط
على المعدة فيخفف من ألم الجوع فتبسم نفسي له الفداء وكشف عن بطنه الشريف
فإذا به يربط على بطنه حجرين من شدة الجوع، ما هذا المعنى؟
كيف
يستعيذ رسول الله بالله من الفقر ويعيش فقيراً بالنسبة للمال يعيش مُقِلاً
في مالهِ؟ مع أنه لم يكن مضطراً إلى الفقر، قال: عُرض علي جبل أحد أن يكون
لي ذهباً فأبيت، قال: “عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا
رب، ولكني أشبع يوما وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت
حمدتك وشكرتك” إذاً كان فقره من ناحية المال قائماً، كان من عداد الفقراء
وكان فقراً اختيارياً لم يكن مضطراً إلى ذلك عُرض عليه الغنى المادي فأباه
فلم كان يستعيذ بالله من الفقر؟ إذاً الفقر الذي يستعيذ رسول الله بالله
منه لا يمكن أن يكون أبداً نقص المال، ولهذا قال العلماء إنما استعاذ من
مرض خوف الفقر من أن يعيش والخوف من الفقر غالبٌ على عقله..
اليوم
عندما نجد الهم الذي يشغل عقول من يُظن أنهم جادون من يـُنظر إليهم على
أنهم شباب يحملون شيئاً من الجدية في حياتهم، أما الغير مبالي هذا في حال
آخر، لكن الذي عنده شيء من الاجتهاد ما يشغله؟ يقول يا أخي أفكر في
مستقبلي، لماذا تدرس في المدرسة وتجتهد لتحصل علامات عالية؟ يقول لكي أؤمن
مستقبلي، لماذا تتعب نفسك ويتعب أهلك أنفسهم في مستوى الجامعة والتخصص
الذي تدرس فيه؟ قال: لتأمين المستقبل، ما معنى تأمين المستقبل؟ قال تأمين
المستقبل أي أؤمن رزقي، إذاً القلق تجاه تأمين المستقبل وهذا إشكال، طبعاً
لا يـُفهم من الكلام قط أنا لا نحث السائر إلى الله على الاجتهاد في
دراسته بل هذا أمر يقربه إلى الله أن يجتهد، لا نثني من يريد أن يدخل
تخصصات بتنوع هذه التخصصات بل هذا قد يكون أحياناً حكمه الشرعي يصل إلى
فرض الكفاية أن يوجد من أصحاب الإتقان لمختلف التخصصات من يكفي المسلمين
حاجتهم إلى غيرهم في هذه التخصصات، الفقهاء جعلوا ذلك من فروض الكفاية في
جميع المهن والاختصاصات ينبغي أن توجد خبرات مسلمة لا تجعل المسلمين عالة
على غيرهم يتعاملون مع غيرهم يستفيدون من غيرهم لكن لا يكونون عالة على
غيرهم.
* حكمة: كان شيخنا الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
يقول “من لا يأكل من فأسه لا ينطق من رأسه” لا يكون له استقلالية لا يكون
له الحق أن يكون له رأي أو قرار أو خيار هذا واضح، لكن ما الشيء الذي
نعيبه ما الإشكال هنا؟ الإشكال أن هناك فرق كبير بين من يدرس ويجتهد ونيته
في ذلك أن ينال رضوان الله عز وجل بأن يكفي أمته باباً من أبواب حاجتها
بأن يكون متقناً لمهنة أو لحرفة تكفيه عوز أن يكون عالة على غيره بأن يحصن
نفسه ومن يعول عن الحرام هذه نيات تجعل الاجتهاد في الدراسة قربة إلى
الله، لكن الإشكال عندما يكون المقصود من الاجتهاد في الدراسة وَهَم تأمين
المستقبل.
==================
منــــــــــــــ ق ــــــــــــــــــــول