غريق جرفه السيل
نظر حوله فلم يجد ما يتعلق به…
ظهرت له من آن لآخر فروع صغيرة..
حاول التشبث بها، ولكنها انجرفت معه بقوة السيل…
بقي على ثقته بأن ربه لن يضيعه..
فجأة … ظهر له فرع آخر..
تشبث به..وإذ بالفرع يحتمله.. بل وينتشله!
زاد تشبثه بالفرع .. استقر عليه ..
التقط أنفاسه وأخذ ينظر حوله..
اكتشف أنه أحد فروع شجرة هائلة ..
تفقدها .. فإذاها متينة الجذع .. ثابتته ..
بدت بعض جذورها للعيان.. قوية وصلبة..
تنبئ عن أن ما خفي منها كان أعظم وأقوى..
يخرج من جذعها فروع كثيفة ومتشابكة ..
أوراقها غضة.. وثمارها يانعة ومثيرة للدهشة …
منها ما هو مألوف الشكل ولكنه مختلف المذاق…
ومنها ما هو غير مألوف لا في شكله ولا في مذاقه ..
مع أنها شجرة واحدة!
تذكّر صاحبنا تعبه في مقاومة السيل..
فقرر أن تكون هذه الشجرة هي مستقره..
يستند على جذعها ويستظل بظلها ويقتات بثمرها..
ويرحل في كل يوم إلى العوالم الجديدة التي يحملها كل فرع من فروعها..
وماذا يريد من الحياة أكثر من هذا..
أيحتاج أكثر من شجرة طيبة..
أصلها ثابت وفرعها في السماء..
هذه الشجرة الطيبة هي حقيقة تحيا على أرضنا وفي زماننا…
إنسان يعرفه الكثير… ولكن يجهل حقيقة قدره الأكثر!!
والحمد لله الذي قدّر لي أن أعيش في عصره ومصره…
دُرّة في عقد فريد…
ثابت الجأش .. منتصب القامة.. عالي الهامة والهمة…
عليه هيبة لا ينكرها إلا من حُرِمَ البصيرة..
لا ينكر قدره إلا جاهل.. ولا يغلبه إلا أحمق..
معه تكتشف كم أنت صغير..
ولكنه يُعَلّمكَ كم أنت كبير!
فأنت صغير إذا ما قورنت بمثله..
ولكنك كبير لأنك إنسان وفيك نفخة من الرحمن…
منه تتعلم كيف يكون الكبار كبارا..
ومعه ترى كيف يترفع الأكابر عن هزل الأصاغر..
تجده ينفض التراب عن كل ثمين طمسه النسيان..
يزيل ضباب الوهم والدجل من الأذهان..
يحمل شعلة العلم التي وصلته عبر أجيال..
ليسلمها لمن يحملها من بعده..
لربما رأيته كثيرا وهو يخاطب الناس..
ولكن أتراك رأيته وهو يخاطب طفلا؟
فمعاملة الأطفال تكشف معادن الناس…
إن له طريقة مبتكرة معهم تحوّل رهبتهم حبا..
ووجلهم سحرا ..
سحرا بحلاوة منطقه وطرافة حديثه..
أراه فتتبادر إلى ذهني صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم..
أولم يرث علمه عليه الصلاة والسلام؟
فما الغريب في أن يرث حاله إذا؟
إنه بحق.. علامة فارقة في حياة كل من عرفه على حق..
إنه الشجرة الطيبة…
إنه مولانا الإمام العلامة نور الدين..
علي جمعة مفتي الديار المصرية … حفظه الله.